admin_m Admin
عدد المساهمات : 400 تاريخ التسجيل : 11/12/2009 العمر : 47
| موضوع: المتلاعبون بالعقول الجمعة أبريل 20, 2012 12:14 am | |
| كتاب ' المتلاعبون بالعقول ' للكاتب الأمريكي هربرت شيللر ذو دلالات مدهشة رغم أن الكتاب قد صدر في السبعينات وقبل وقت طويل من أحداث 11 سبتمبر/ ايلول حتى لا تأخذنا روح المؤامرة إلى التوقف لما بعد الحدث فقط
يقول شيللر ' كيف يجذب محركي الدمى الكبار في السياسة والإعلان وسائل الاتصال الجماهيري وخيوط الرأي العام '
والكتاب يضع تصورا مدهشاً للمجتمع الأمريكي وللأجهزة التي تتحكم فيه بصورة علمية مثيرة
يتسلسل بداية من المقدمة التي تعرف القائمون على أجهزة الإعلام في الولايات المتحدة بأنهم الذين يضعون الأسس والأفكار التي تجدد معتقدات ومواقف وسلوك الفرد
ويرى شيللر إن تضليل وبرمجة عقول البشر ما هو سوى تطويع الجماهير للأهداف والسياسات السائدة حتى يتم ضمان تأييد النظام بغض النظر إذا ما كان هذا النظام يعمل من خلال المصلحة العامة أو ضد الصالح العام للشعوب
ويضيف هربرت شيللر بأنهم لا يلجئون إلى التضليل الإعلامي إلا عندما يبدأ الجمهور في الاستيقاظ والظهور على الساحة لكي يصحح مساره أما عندما يكون الجمهور مضطهداً غارقاً في همومه وفقره المدقع ويعايش بؤس الواقع فهم يتركونه في غيبوبته دون تدخل
أعتقد أن هذا الكتاب يصلح لحالة الخداع وقلة الحيلة التي يعيشها المجتمع العربي ومجتمعات العالم الثالث في أفريقيا وأسيا وأمريكا اللاتينية فهذه الدول بكل تأكيد تعيش حالة من التضليل الإعلامي المدعوم من عناصر رئيسية تتكون من حكام وأصحاب شركات وعملاء
ويؤكد الكاتب في سطوره على حقيقة الوضع بين من يملكون ومن لا يملكون للحفاظ على الوضع كما هو عليه ولتكريس تميز من يملكون والإبقاء على الفئة التي لا تملك كما هي، وليس هناك حد فاصل يحدد الهوية لكلا الفئتين، فمن يناضل للحفاظ على موقعه حتى يظل من لا يملك محتفظاً بهويته الدونية. ولكي تستطيع الطبقة التي تملك تنتج باستمرار وتضيف المزيد إلى رصيدها مما يمنحها قوة أكثر
يلمح شيللر في كتاب ' المتلاعبون بالعقول' بأن مهمة هذه الطبقة الاستمرار في التضليل الإعلامي لصالح الأجهزة الحاكمة ولتظل هذه الأجهزة في وضع قابلاً لكسب وربح مزايا جديدة من الوضع الاقتصادي المتردي
ولقد شعر الجمهور في وقت من الأوقات أن التضليل الإعلامي ما هو سوى أداة للهيمنة على العقول بالخداع والتحايل نجح في أن يجعل الجماهير منقادين ومقيدين ضمن أغلال أبواق الإعلام من تلفاز وإذاعة وصحف ومجلات رغم أنهم وفي أبسط الأمور في حياتهم اليومية يتصرفون ضد مصالحهم دون ما شعور بهذا العبء أو أدراك بأنهم مسيرون وليس مخيرون أننا في أغلب الأحيان نجد أن هذا الجمهور الواعي بالمشكلة يختار ما هو ضد مصالحة وضد مستقبلة وإرادته
وتتفنن الأجهزة الحاكمة في حيلها فيتخذ البعض منها رجال الدين كأدوات لتسيير منطق الوضع كما يريدونه, ويكون التفسير الديني لصالح أهداف المؤسسات الحاكمة كأن يقولوا هؤلاء للجماهير بأن طاعة الحاكم هي من طاعة الله وذلك ردة إلى مقولة أن الحاكم هو ظل الله في الأرض ويستمد منه سلطانه الذي لا ينافسه سلطان.. وعند الاعتراض على جزئية التفسير سرعان ما ينبري هؤلاء المدججين بأبشع أدوات الردع بتكفير المعترضين من الجمهور حتى يستمر مسلسل التأثير على البسطاء وعلى عقولهم
وفي بداية من سطور المقدمة يقول هربرت شيللر 'ففي داخل البلاد تنعم صناعة توجيه الجماهير بفترة نمو استثنائية بهدف تعليب وبرمجة العقول، وكما يفعل حكام العالم الثالث عندما يودون تسيير قرار أو قانون ما فهم يلجئون إلى وسائل الإعلام عن طريق السيطرة التكتيكية من صور ومعلومات بقصد التحكم في عقول الشعوب من خلال الاستفادة من الظروف التاريخية وبهذا الأسلوب يصبح ابسط الناس وأشدهم حاجة أكثرهم تحمساُ لقوانين الملكية الفردية والحيازة وأشدهم عداوة للحرية في ابسط مفاهيمها.. بل هو يصبح أكثر الناس عداوة للمنتمي لها '
وأتذكر أني قرأت شيئاً عن صناعة المعرفة أو بمعنى أكثر تحديدا ما عرف بمفهوم ' تصنيع المعرفة' حيث يقول لندون جونسون الرئيس الاميركي الاسبق والذي شهدت رئاسته تسارع وتيرة الحرب في فيتنام 'لقد راودني شعور عميق بالفخر وأنا أوقع القرار بحرية المعلومات فهو يعني أن الولايات المتحدة مجتمع منفتح يحترم فيه حق الشعب في المعرفة وتقوم الحكومة بأعداد المعلومات في كافة الفروع وعلى سبيل المثال تعد الحكومة بيانات عن الشعب والتعداد والإنتاج والاستهلاك والمصادر الأولية والعلاقات بين الأمم..الخ. ويستفيد الإعلاميون من هذه المعلومات باستخدامها لتوعية الشعب من خلال حملات الحكومة لأهداف معينة مثل الحد من استهلاك المياه أو الحد من استخدام الطاقة خاصة في حالات الحروب والمجاعات '
لاحظ كيف استخدم الرئيس جونسون لفظة 'التوعية ' ولم يستخدم لفظة 'التوجيه '
لا أرى فارق كبيرا بين ما تفعله الولايات المتحدة وما تفعله حكومات العالم الثالث سوى أن تلك الحكومات دائما ما تتوخى الحذر من فتح باب المعلومات بل أنها تحجب معلومات صادقة عن أجهزتها الإعلامية، وفي كثير من الأوقات نجد أن هذه الحكومات تغلق تماماً باب المناقشة في إعطاء معلومة مهمة وللمثال عندما نسمع 'صرح مصدر مسؤول' فذلك إنهاء للخبر لا للفت الانتباه لفحواة، وليبقى المصدر المسؤول مجهولا
ومثال آخر ' أن تقول أجتمع فلان مع فلان وناقشوا بعض القضايا الهامة وتم توقيع بروتوكول تعاون مشترك بين الدولتين ' وبالطبع لا أحد يدرك ماهية القضايا الهامة ولا البنود التي تم التوقيع عليها في البروتوكول هكذا بين الحقيقة والكذب تضيع آمال الشعوب وبسبب حجب الحكومات للمعلومة الصادقة عن أجهزة الإعلام تضيع الثقة في الشركات الوطنية كما تضيع الثقة في الحكومات وفي المسئولين الكبار '
من الواضح أن الخطر الذي يهدد الكيان الاجتماعي يكمن في الدافع التجاري الخالص والذي لا يستهدف سوى الربح والربح فقط، وبهذا أضيفت إلى الإعلان مواد وأشكال وألوان جعلت من السلعة المستهلكة صورة مغايرة للواقع وكأنها من ضرورات الحياة الأساسية وكأن لا غنى عنها فتشكل بذلك الخطر الذي اصبح يهدد استقرار كل أسرة
ولا يردع صناع الإعلان أي رادع أخلاقي أو إنساني فهم يسعوا إلى جذب الجماهير من خلال مشاهد للعنف أو باللعب على الحس الجنسي لدى العامة من الجماهير مثل أن تظهر فتاة في ما دون العشرين من العمر وهي تمسك بقلم أحمر شفاه ثم تنفرج الشفتان بإثارة مفضوحة وتغمض العينين لتفوح بعض ذلك بصوت جنسي شره ويقول الإعلان بأن الثمن فقط عدة دولارات ولكن من أين تأتي الفتيات بالدولارات في مجتمعات نامية مرهقة ؟ وهل يكفي مرتب فتاة عاملة لاقتناء أحمر الشفاه.. هذا ناهيك عن الإثارة في الملبس والمأكل والمسكن الفاخر؟
كل هذا يتم من خلال الإعلان التليفزيوني وهو الذي حقق الكم من الإثارة الجنسية وخلق الرغبة الشديدة في الاقتناء.. وبالتالي تمت السيطرة على أفراد الأسرة الواحدة رغم أن المقومات الأساسية للنظام التجاري هو الدافع الذاتي دون الرجوع للقيمة الحقيقية للسلعة المعروضة وما إذا كانت مطلباً أساسياً أو رفاهية فقط
كما يؤثر الإعلان ويبرمج العقول هناك ما هو أخطر من ذلك وهو برمجة عقول الأطفال من خلال برامج قد تبدو مسلية وممتعة ولكن الأمر يبدو أخطر بكثير من ذلك من خلال ما يعرض من أفلام الكرتون ولو لاحظت كم العنف الموجود في أفلام ' توم وجيري' على سبيل المثال لتعجبت.. الأمر أخطر مما نتصور فالطفل يدرك ولكن لا يميز وبالتالي فهو سهل التكيف والتشبع بالمعروض.. وهذا الطفل هو نفسه الشاب الذي يبرمج على وتيرة عشق كرة القدم أو الموسيقى إلى درجة تكريسها كأولويات على مبادئ أساسية مثل الحقوق الوطنية وحقوق الإنسان والعمل الاجتماعي وحقوقه كدافع للضرائب في حياة أفضل وحقوقه كشاب في أن يجد مكاناً له في جامعات وطنه وأن يجد عملاُ وسكناً الخ من القضايا الأساسية
هذا الخطر الكامن في حياتنا يختلف ويتطور ويندس ليشكل عنصرا من عناصر الضعف الإنساني ليلعب بعقولنا فنصبح جميعا لعبة في أيدي من لا ضمير لهم من أعداء الشعوب والحريات والحياة | |
|