السُّؤال الرَّابع : لماذا نلاحظُ أنَّ هناكَ سِجَالًا خِلافيًا دائمًا بين السُّنَّةِ والشِّيعةِ من جهةٍ، وبينكم كعلويِّين من جهةٍ أخرى ؟ وما إمكانيَّةُ التَّلاقي ؟
الجواب الرَّابع بإذنِ اللهِ :
هناكَ ما يُسمَّى (مُسَلَّمَات) سواءَ كانَ لدى السُّنَّةِ أو لدى الشِّيعةِ أو حتى لدينا كعلويِّين، وهذه المُسلَّماتُ تتعلَّقُ بتعظيمِ الأشخاصِ بعيدًا عن أفعالِهم مع أنَّ سيِّدَنا المسيحَ (ع) قالَ لتلاميذِهِ: (لا تُدْعَوا مُعلِّمينَ لأنَّ مُعلِّمَكم واحدٌ هو المسيحُ)، لذلكَ لا يمكنُ حَلُّ السِّجالاتِ الخلافيَّةِ إلَّا بطريقتين:
الأولى: أن تَفهمَ طريقةَ تفكيرِ كلِّ مذهبٍ في داخلِهِ، ولا سيَّما في مسألةِ تعظيمِ الأشخاصِ.
الثانية: اعتمادُ مبدأ دراسةِ القضايا الفكريَّةِ، بحيثُ نقفُ مع مَن نُحاورُهُ وقفةً حياديَّةً أمامَ ما يلتزمُهُ، ونتحدَّثُ بالعلمِ التَّوحيديِّ وكيف ينظرُ إلى القضايا؟ ومن أينَ أتَى بهذا البرهانِ؟ وهل هو واثقٌ من اعتقادِهِ؟
هذا الأسلوبُ يُدعى (المُحَاجَجَةُ) وقد تعلَّمناهُ من آلِ بيتِ الرَّسولِ (ص) كما وردَ في الهُدَى القرآنيِّ: (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ).
لكنَّ بعضَ علماءِ السُّنَّةِ والشِّيعةِ يفهمونَ الآيةَ بطريقةِ أنَّ الشَّكَّ هو الذي يَحكمُ حركةَ البحثِ، وهو أسلوبٌ يأخذُ به النَّاسُ كأنْ يَقولوا: رأيي صوابٌ يَحتملُ الخطأ، ورأيُ غيري خطأ يَحتملُ الصَّوابَ
لقد أخطأوا لأنَّ النَّبيَّ (ص) لا يَدعو إلى الشَّكِّ معاذَ اللهِ، وهو الذي أتى بالهُدَى ودينِ الحقِّ، ولكنَّ أسلوبَ البحثِ في القرآنِ الكريمِ والسُّنَّةِ النَّبويَّةِ ينطلقُ من البُعدِ عن الشَّخصَنَةِ التي يَتَحرَّكُ النَّاسُ في مركبِها لِيُكَفِّروا وليُفَسِّقُوا وليُؤيِّدُوا فلانًا أو فلانًا، وَيَدعوَا للمناقشةِ العلميَّةِ لقولِهِ تعالى: (وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) و(الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) هي الحجَّةُ والبرهانُ.
وأمرَ سبحانَهُ بالتَّفكُّرِ والتَّحقُّقِ لإثباتِ الحجَّةِ، بِغَضِّ النَّظرِ عن الانفعالاتِ المذهبيَّةِ التي تُحرِّكُ نَزعَةَ الغَضَبِ الشَّهوانيَّةِ كما تحرَّكَتْ مع المشركينَ حين اتَّهَموا النَّبيَّ بالجنونِ فلم يَرُدَّ عليهم النَّبيُّ (ص) حسبما جاءَ في القرآنِ، ولم يقل لهم: أنا لستُ مجنونًا، لأنَّ الصَّوتَ لا يُسمَعُ في حالاتِ الغضبِ والانفعالِ، ولكنَّه قال لهم: اهدَؤوا وَتَخلَّصُوا من انفعالِكُم حتَّى تتمكَّنُوا من التَّفكيرِ، وَسَتعرفونَ الحقيقةَ من خلالِ الهدوءِ والموضوعيَّةِ والتَّفكُّرِ، وفي هذا جاءَ قولُهُ تعالى: (قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ).
لذلك يجبُ ألَّا نتحوَّلَ إلى مقلِّدينَ وَتَابعينَ غوغائيِّينَ، بلْ إلى مفكِّرينَ وباحثينَ عن الحقيقةِ، واللهُ المُوَفِّقُ لكلِّ خَيرٍ.
نكتفي لعدمِ الإطالةِ واللهُ أعلمُ.
الدكتور أحمد أديب أحمد