السُّؤال السَّابع: هل حقًّا إنَّ النَّبيٍّ (ص) سها في صلاتِهِ وغفلَ عنها؟
الجواب السَّابع بإذن الله:
هذا موضوعٌ خلافيٌّ بيننا كعلويِّين وبين كلٍّ من السُّنَّةِ والشِّيعةِ، وسأوضِّحُ في هذا الجوابِ إن شاءَ الله الفرقَ والموقعَ.
إنَّ مصادرَ السُّنَّةِ تؤكدُ سهو النَّبيّ (ص)، وتروي أنَّه سَها في صلاتِهِ فلم يدرِ كم صلَّى من ركعةٍ وأنَّه كان يصبحُ جُنُبًا في شهرِ رمضانَ فتفوته صلاهُ الفجر
أمَّا مصادرُ الشِّيعةِ فانقسَمَتْ إلى قسمين: قسمٌ قالَ بالسَّهو وقسمٌ قال بالإسهاءِ كنوعٍ من تجميلِ المصطلحِ، وقالوا بأنَّ الغلاةَ ينكرونَ سهوَ النَّبيِّ وأنَّ هذا لا يُلزِمهم لأنَّ جميعَ ما يقعُ على النَّبيِّ يقعُ على غيرِهِ، وأنَّه يجوزُ أن يسهو في صلاته، ولكنَّ سهوَهُ ليسَ كسهونا لأنَّه سهو من الله عزَّ وجلَّ، وإنَّما أسهاهُ ليعلم أنَّه بشرٌ مخلوقٌ وأكَّدوا أنَّ نومةَ النَّبيِّ (ص) حتى طلوعِ الشَّمسِ أمرٌ صحيحٌ لأنَّ اللهَ أنامَهُ عنها وأنَّ النومَ والسَّهوَ النبويَّ رحمانيَّان، وأنَّ نومَنا وسهوَنا شيطانيٌّ
أيها الإخوة:
السَّهو في اللغةِ هو الغفلةُ والذُّهولُ عن الشَّيءِ، وسها في الصَّلاةِ أي نسيَ شيئًا منها، وسها عن الصَّلاةِ أي تركَها ولم يصلِّ. أمَّا الإسهاءُ فَفِعلُهُ أسهى أي جعلَهُ يسهو.
لقد فرَّقوا بين الصَّلاةِ والتَّبليغِ، وأنكروا علينا قولنا: إنَّ مَن يسهو عن الصَّلاةِ يسهو عن التبليغِ، واعتبروا أنَّ هذا من الغلوِّ، فدعونا نناقشُ هذه الفكرةِ بالذَّاتِ، حتى لا نطيلَ في الإجابةِ.
قال تعالى: (إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا)، فهي أوَّل أركانِ الإسلامِ وأوَّلُ الفرائضِ على كل المسلمين، والنَّبيُّ المرسَلُ (ص) هو الأولى بأن لا يفرِّطَ بهذه الصلاةِ أو يتركَها أو يغفلَ عن أدائها مهما كانت الظُّروف، ولو فعلَها النَّبيُّ حقيقةً لصارت سُنَّةً عندَ كل الصَّحابةِ ومَن جاءَ بعدَهم أن يُفرِّطوا بها أو يَغفلوا عنها أسوةً بالنَّبيِّ، وكان ذلكَ مبرِّرًا للبشرِ أن يهجروها مع الزَّمن، وهذا لا يجوزُ لأنَّ النَّبيَّ عرَّفَ الصَّلاةَ فقال (ص): (الصَّلاةُ صلةٌ باللهِ تعالى، مَن داومَ عليها اتَّصلَ ومَن تركَها انفصلَ، وليسَ للعبدِ من صلاتِهِ إلَّا ما عقلَ منها)، فالصلَّةُ بين الرَّسولِ ومرسِلِهِ قائمةٌ دائمةٌ لا تنقطعُ البتَّةَ، وهو مداومٌ على الصَّلاةِ متَّصلٌ بربِّهِ لا حلولاً به بل قُربًا منه، ولا يجوزُ أن ينفصلَ عنه بُعدًا، لهذا لا يتركُها أبدًا، فالمنفصلونَ هم المنكرونَ الذينَ تركوا صِلَتَهم وعبدوا شهواتِهم. وهذا يدحضُ الشُّبهةَ القائلةَ بغفلتِهِ في الصَّلاة.
ثمَّ أكَّدَ أنّه ليسَ للعبدِ من صلاتِهِ إلا ما عَقِلَ منها، وهذا يعني أنَّهُ حاضرُ الفكرُ في صلاتِهِ، خاشعٌ متفكِّرٌ مواصلٌ، فكيفَ للعبدِ العاقلِ لصلاتِهِ أن يسهوَ فيها؟ وإن كان لا يجوزُ هذا للمؤمنِ فكيفَ يجوزُ للنَّبيِّ (ص)؟ وهو المطيعُ الطَّاعةَ الكاملةَ للهِ سبحانَهُ امتثالاً لِمَا ما جاءَ في الحديثِ القدسيِّ الواردِ في كتبِ السُّنَّةِ والشيعةِ على السَّواء أنَّ أوَّلَ ما خلقَ اللهُ العقلَ فقالَ له: أقبلْ، فأقبلَ، ثمَّ قالَ له: أدبرْ، فأدبرَ، فقال سبحانه: (وعزَّتي وجلالي ما خلقتُ خلقًا أكرمَ عليَّ منه، بكَ آخذُ وبك أعطي، وبد أثيبُ وبكَ أعاقبُ).
من جهةٍ أخرى فإنَّ القرآنَ الكريمَ وبَّخَ ووعدَ بالويلِ لمَن يسهو عن صلاتِهِ في قوله تعالى: (فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ، الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ)، فهل ينطبقُ هذا على النَّبيِّ المعصومِ وفق نظريَّةِ أصحابِ السَّهوِ أو الإسهاءِ؟
إنَّهم جمَّلوا المصطلَحَ بقولِهم: (إسهاءٌ من الله) ليُثبتوا بشريَّتَهُ، وبالتالي وقوعَهُ تحت الحالاتِ البشريَّةِ ومنها السَّهو والنِّسيانُ والخطأ، وبالتَّالي يحقُّ لهم التَّشكيك بالنُّبوَّةِ والرِّسالة، وبما صدرَ عنهُ من تبليغِ الولايةِ، كتشكيكِ أحدِ أصحابِهِ حين طلبَ دواةَ ليكتبَ وصيَّتَهُ بالخلافةِ للإمامِ علي كرَّمَ اللهُ وجهَهُ حين فقال: (إنَّ محمَّدًا لَيَهجُرُ)، والهَجرُ من ذهاب العقلِ فهل يقعُ هذا على النَّبيِّ؟
إذن: السَّهوُ والإسهاءُ عندنا كعلويِّين غيرُ جائزانِ على النَّبيِّ المعصوم ذو المقامِ الرَّفيعِ الذي عبَّرَ عنه بقوله (ص): (لي مع اللهِ وقتٌ لا يَسَعني فيه ملكٌ مقرَّبٌ ولا نبيٌّ مرسَلٌ)، ومَن كان بهذا المقامِ فهو فوقَ الحالاتِ البشريَّةِ على الإطلاقِ، ومنها السَّهو والغفلة والنسيان والعصيان.
نكتفي لعدمِ الإطالةِ واللهُ أعلمُ.
الدكتور أحمد أديب أحمد