السُّؤال العاشر: قال المسيح (ع): (قبلَ أن يكونَ إبراهيمُ أنا كائنٌ)، هل هذا يعني أنَّ التَّقمُّصَ يقعُ على الأنبياءِ مثلَ باقي البشرِ، ولهذا تقولون: الأنبياءُ كلُّهم واحدٌ؟
الجوابُ العاشرُ بإذن الله:
من المعلومِ أنَّنا نقرُّ بالتَّقمُّصِ على عكسِ السُّنَّةِ والشِّيعةِ، وهناك الكثيرُ من كبارِ العلماءِ والفلاسفةِ قد أقرُّوا به، فقد كان الفيلسوفُ فيثاغورث مُقِرًّا بالتقمص حيث يقولُ: (النَّفسُ تَمُرُّ بعدَ الموتِ بفترةِ الخلقِ عليها ثمَّ تدخُلُ في جسْمٍ جديدٍ). كما أيَّدهُ الفيلسوفُ أفلاطون حين قال: (إنَّ الموت الآتي من الحياةِ لابُدَّ أن تَعْقبَهُ حياةٌ أخرى تأتي من الموتِ).
فالتقمُّصُ هو انتقالُ النفسِ بعدَ الموتِ من جسدِ مؤمنٍ إلى آخرَ يولَدُ حديثًا، إذ لا أحدَ منَّا يستطيع أن يحقِّقَ ذاتَهُ الكاملة، أو تبلغ نفسُه الاطمئنان إلا عندما يصفِّي نفسَهُ من شوائبِها وأخطائها، وهذا كما نعلم لا يكون في حياةٍ واحدةٍ. وطالَما أنَّهُ ارتقاءٌ للمؤمنِ من درجةٍ إلى درجةٍ فإنَّ هذا يعني نقصًا سيكتملُ حياةً بعدَ حياةٍ، وهذا لا يمكنُ أن يقعَ على الأنبياءِ (ع) لأنَّهم موصوفونَ بالكمالِ، وبالتَّالي لا يقعُ التَّقمُّصُ بالأنبياءِ كباقي البشرِ، لأنَّهم منزَّهونَ عن الحوادثِ البشريَّةِ والموتِ لقولِ رسول الله (ص): (يموتُ مَن ماتَ منَّا وليسَ بِمَيِّتٍ، ويَبْلى من بَلِيَ منَّا وليسَ بِبَالٍ).
أمَّا عن القولِ بأنَّ الانبياءَ كلُّهم واحدٌ، فليس بمعنى أنَّهم روحٌ واحدةٌ تأتي كلَّ مرةٍ بجسدٍ بل المعنى أنَّهُ لا فرقَ بينهم عندَ ربِّهم لقوله تعالى: (لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ)، ولو كانَ من فرقٍ لكانَ هناكَ تفاوتٌ في إبلاغِ الرِّسالاتِ وإظهارِ الدِّينِ، وفي هذا ظلمٌ سيقعُ على أتباعِ كلِّ نبيٍّ، فلو كان سيِّدنا محمَّد (ص) أفضلَ مِن سيِّدنا عيسى (ع) وفقَ ما يعتقدُهُ السُّنَّةُ والشِّيعةُ مثلاً، لَكَانَ هناكَ ظلمٌ لأتباعِ سيِّدنا عيسى (ع) وهذا لا يجوزُ وفقَ قانونِ العدلِ الإلهيِّ، وكذا الأمرُ بالنِّسبةِ لسيِّدنا موسى (ع) و….، فمِن العدالةِ الإلهيَّةِ أن يكونَ لكلٍّ من محمَّد وعيسى وموسى وجميع الأنبياءِ (ع) مقامًا واحدًا لأنَّهم أظهروا دينًا واحدًا ووجبَ أن يكونَ هذا الدِّينُ كاملاً لا نقصَ فيه، وهو دينُ الإسلامِ لقولِهِ تعالى: (إِنَّ الدِّينَ عِندَ الله الإِسْلاَمُ).
أمَّا عن قول سيِّدنا المسيح (ع): (ﭐلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: قَبْلَ أَنْ يَكُونَ إِبْرَاهِيمُ أَنَا كَائِنٌ) فلهُ تأويلُهُ، حيثُ تحدَّثَ المسيحُ ووصفَ نفسُهُ بقولِهِ: (أَنَا هُوَ نُورُ الْعَالَمِ. مَنْ يَتْبَعْنِي فلاَ يَمْشِي فِي الظُّلْمَةِ بَلْ يَكُونُ لَهُ نُورُ الْحَيَاةِ)، مشيرًا إلى ارتفاعِهِ عن البشريَّةِ وتنزُّهِهِ عنها، وهنا نفهمُ القصدَ من القول بأنَّ هذا النُّورَ موجودٌ قبلَ وجودِ الأنبياءِ المماثلِ للبشرِ، لأنَّهم نورٌ قبلَ يُماثلوا البشرَ تعليمًا وإبلاغًا لقوله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ).
واختيارُ سيِّدنا إبراهيم (ع) لأنَّ سيِّدَنا المسيح (ع) كانَ بدعوتِهِ يخاطبُ اليهودَ الذينَ يتباهونَ بانتمائهم لإبراهيم حيث قالوا له: (أَبُونَا هُوَ إِبْرَاهِيمُ)، فقال لهم موبِّخًا: (لَوْ كُنْتُمْ أَوْلاَدَ إِبْرَاهِيمَ لَكُنْتُمْ تَعْمَلُونَ أَعْمَالَ إِبْرَاهِيمَ).
نكتفي لعدمِ الإطالةِ واللهُ أعلمُ
الدكتور أحمد أديب أحمد