اختطاف “ميغ 21”
يأتي شخص تحت اسم “سلمان” إلى السفارة “الإسرائيلية” ويقدم لها اقتراحا مهما ومغريا وجريئا”
يطلب منهم مليون دولار نقدا ويدعي قدرته على تسليم “إسرائيل” طائرة من نوع “ميغ 21” روسية من أكثر الطائرات حينها تطورا وأضاف بكثير من اليقين : “ارسلوا أحد عملائكم إلى بغداد وليس عليه سوى الاتصال برقم الهاتف ويسأل عن جوزيف ولا تنسوا أن تجهزوا مليون دولار”
ناقشت الإدارة “الإسرائيلية” القضية وتساءلت حول ما إذا كان سلمان عميلا مزدوجا ويشتغل مع السلطات العراقية ولكن فكرة الحصول على طائرة روسية متقدمة أصبحت حلما لا يُقاوَمُ
يكشف لنا المؤلف أن الموساد مؤسسة وطنية وهي مصدر فخر لكل “الإسرائيليين” وموظفوها أحيانا يمكنهم ألا يناقشوا القرارات مع القيادة السياسية أو أنهم يخبرونها في الدقائق القليلة قبل الحسم واتخاذ القرار
“في اللحظة المناسبة تم إخبار بن غوريون ورئيس الأركان إسحاق رابين فما كان من الرجلين إلا أن أعطيا موافقتهما ولكن المسؤول الاستخباراتي حرص على التذكير باستعداده لسحب كل العملاء من العراق : “في حالة الفشل أحرص على وضع رأسي وحده على النطع لقد دفعت خمس مجموعات
الأولى مكلفة بالاتصالات بين بغداد وبيني التعليمات التي تلقيتها تتمثل في عدم قطع الصمت إلا في حالة خطر داهم أما إذا لم يكن من خطر فأنا لا أريد أن اسمع عنها بأية حال من الأحوال
المجموعة الثانية يجب أن تتوجه إلى بغداد من دون أن يعلم بوصولها أحد لا من قبل العميل “بايكون” ولا من قبل أفراد المجموعة الأولى وكان دورها يتمثل في وضع العميل “بايكون” تحت المراقبة في حالة ما إذا كان يلعب دورا مزدوجا وأيضا مراقبة جوزيف إن أمكن
دور المجموعة الثالثة ينحصر في مراقبة العائلة
في حين تقوم المجموعة الرابعة بإجراء الاتصالات مع الأكراد المسلحين من طرف “إسرائيل” المفروض أنهم سيقومون بلعب أدوار في ما يخص المرحلة النهائية من العملية
أما المجموعة الخامسة فهي من تقوم بالاتصال مع الأتراك والأمريكيين
إذْ أن طائرة “ميغ 21” كي تغادر التراب العراقي يتوجب عليها أن تجتاز المجال الجوي التركي قبل أن تصل إلينا الأمريكان الذين يتوفرون على قواعد في الشمال التركي يتوجب عليهم ممارسة ضغوط على الأتراك من خلال إيهامهم بأن هذه الطائرة متوجهة إلى أمريكا”
في يوم 15 من شهر أغسطس/ آب سنة 1966 ومع إشراقة الشمس انطلق الطيار “منير” في قيادة طائرة “الميغ 21” في مهمة روتينية وما أن ابتعدت عن القاعدة حتى ضاعفت من قوة محركاتها ووصلت إلى الحدود التركية قبل أن يتلقى الطيارون الآخرون الأوامر بإسقاطها
بعد ذلك رافقتها طائرات فانتوم من الجيش الأمريكي حتى رست في قاعدة تركية حيث تم تزويدها بالوقود.(...) لاحقا بعد ساعة كانت “الميغ” تحط في قاعدة عسكرية في شمال “إسرائيل”
بهذه العملية استطاع الموساد إنجاز دور من الطراز الأول على صعيد التجسس العالمي وفي عالَم الاستخبارات “الإسرائيلية” الصغير سيتم من الآن فصاعدا تقسيم تاريخ الخدمة إلى “ما قبل العميل أميت” Amit و”ما بعد مايير(76-77)
ليس من المبالغة القول إن كثيرا من شهرة وسمعة الموساد كان فيها مبالغة ولكن الجدية والمهنية التي تسود بين أفرادها غير قابلة للدحض ولا للتشكيك ومن بين من صنع الموساد ومن يعود له الفضل في قوتها وجبروتها وقوتها وعجرفتها يظل اسم “مايير أميت” Meir Amit ماثلا للعيان وكان هذا الرجل الذي تقاعد عن العمل في شهر مايو/ أيار من سنة 1997 يجيب دائما على منتقديه بسبب ما يلاحظونه من “قفزاته الخيالية “بالجملة الشهيرة : “تذكروا طائرة الميغ 21 التي سرقناها من العراقيين”
من بين مزاياه العملية التركيز كثيرا على العامل البشري في الأرض وهو ما أتاح عليه اختراق المخابرات المصرية وكذلك المخابرات السورية
التجسس على العرب
كان “أميت” يثير رعب وبارانويا أعدائه إذ أنه جنّد عددا لا سابق له من المخبرين والعملاء العرب وكان ينطلق من مبدأ بسيط مستقى من قوانين الاحتمال ويتمثل في أنه كلما كان عدد المخبرين كبيرا كانت الحظوظ كبيرة في الحصول على معلومات مفيدة
و”قد ساهم العديد من العرب الذين تمت استمالتهم في إلحاق الكثير من الخسائر في أوساط منظمة التحرير الفلسطينية بمدّهم لنا معلومات عن مخابئ أسلحتهم ومواعيدهم وأجنداتهم ومقابل كل “إرهابي” كانت الموساد تقوم بتصفيته كانت تمنح للعميل و”المخبر العربي” دولارا واحدا”
طريقة العمل الاستخباراتية “الإسرائيلية” تحت إدارة “أميت” كانت مثيرة للانتباه والدهشة فقد كان المطلوب من العميل مدّها بمعلومات شخصية عن الطيارين المصريين من بينها المسافة التي يتوجب على الطيار المصري أن يقطعها ما بين قاعدته العسكرية ومكان تناول الطعام والوقت الذي يتطلبه استبدال المجموعات والطواقم ما بين مجموعات الليل والنهار وكم من الوقت يظل فيه الطيار المصري حبيسا في ازدحام السير في شوارع القاهرة ومعرفة إن كان لهذا أو لذاك عشيقة
كان مركز الاستخبارات في تل أبيب يتلقى كل أسبوع معلومات ثمينة من هذا النوع وأيضا حول طريقة وتوقيت صيانة طائراتهم وطريقة حياة طياريهم وتقنييهم وميولهم إلى الشرب وإلى الجنس ومن منهم له ميول نحو الغلمان أو المواخير
كان “مايير أميت” يقضي أوقاتا طويلة من أجل معرفة ضعاف النفوس الذين يمكنهم أن يتعاونوا مع المخابرات “الإسرائيلية” وكان يقول: “الأمر ليس مسلّياً ولكن يجب أن نعرف بأن التجسس عملٌ قذرٌ”
وكانت طريقة العمل تتلخص في إرسال خطابات ورسائل إلى عائلات هؤلاء الطيارين والتقنيين رسائل تطفح بمعلومات وتفاصيل وافرة ودقيقة وصريحة عن عاداتهم الحميمية : عادات تخص هذا الابن البارّ أو هذا الزوج الوفيّ وهي رسائل كثيرا ما كانت أحيانا تدفع هذا الطيار أو ذاك إلى طلب إجازة مرضية في حين أن العديد من الضباط يتلقون مكالمات تخصّ الحياة الشخصية لزميل لهم وغيرها من التفاصيل التي كانت تتطرق لمناح عديدة من الحياة الشخصية
وبفضل اشتغال الجواسيس والعملاء والمخبرين على عين الواقع فسّر “أميت” لرؤساء القيادة الجوية “بأن أهدافهم العسكرية يجب أن تُضرب ما بين الساعة الثامنة صباحا والساعة الثامنة والنصف وإذن فإن ثلاثين دقيقة كافيةٌ لتدميرها وستكون القيادة العسكرية المصرية محرومة من قسم كبير من الأفراد المهيئين للردّ والتصدّي”.
وهكذا كان إذْ أنه في الساعة الثامنة ودقيقة واحدة من يوم الخامس من يونيو 1976 قام الطيران الحربي “الإسرائيلي” بإنجاز ضربة قاصمة بفعالية مرعبة وفي ثوان فقط كانت السماء مصبوغة بالأحمر والأسود بسبب النيران والدخان الذي يتصاعد من شاحنات الوقود ومن الطائرات التي تم تدميرها بسبب انفجار الأسلحة التي كانت على متنها
وعلى الرغم من أن القائد الاستخباراتي “الإسرائيلي” “أميت” غادر دهاليز وأروقة الموساد فإن نظريته وطرق اشتغاله وكيفية تجنيده للمخبرين والعملاء يهودا كانوا أم عربا أو آخرين ظلت كما كانت ولم تُمس من يستطيع تغيير نظام اشتغال أثبت بصور مدهشة نجاعته
“لا يمكن قبول أيّ عميل “إسرائيلي” يهودي إذا كان مدفوعا في المقام الأول بعامل الربح المادي وكذلك فالصهيونيون المتحمسون هم أيضا ليس لهم مكانٌ في الموساد لأن التعصب يمنع من رؤية واضحة لأهداف المهمات إن مهمتنا تستدعي حكما واضحا وهادئا ودقيقا الناس تريد أن تلج الموساد لأسباب عديدة ومختلفة السبب الأول هو المكانة والبريستيج ثم هناك الرغبة في المغامرة البعض الآخر يتصورون أنه من خلال وُلوجهم أروقة الموساد يمكنهم أن ينجزوا صعودا اجتماعيا “إنهم أناسٌ وضيعون وصغار يريدون أن يصبحوا كبارا بينما يتخيل البعض الآخر أن الموساد يمكنها أن تمنحهم سلطات سرية إن واحدة من هذه الأسباب لا يمكن أن تكون صالحة”
“إسرائيل” لا تفرّط قط في عملائها اليهود
يرى “أنيت” أن “كل عميل يجب أن يحسّ بأنه يمكن أن يعتمد على الموساد من خلال دعمها ومؤازرتها الكاملة يجب تعهد عائلته مهما حدث كما أنه يجب توفير الحماية لها كما أنه يجب توفير الحماية له هو أيضا فإذا ما علمت زوجته مثلا بأنه يتوفر على عشيقة فيجب طمأنتها وإذا كانت له بالفعل عشيقة فلا يجب بأي حال من الأحوال تأكيد الأمر لزوجته تحسيس العملاء بأنه يمكننا أن نكون معهم ولهم وبأننا نشكل معهم عائلة واحدة بهذه الطريقة فقط يمكننا الحصول على ولائهم ويمكننا التأكد من أن العميل سيقوم بأي شيء نطلبه منه”
الجاسوس ذو القناع الحديدي
الكثير من المراقبين لعمل الموساد متأكدون من استقلاليتها عن الصديق والحليف الأمريكي بل إنها تتجسس على الأمريكان حتى في عقر دارهم
يورد المؤلف في الفصل المعنون ب”الجاسوس ذو القناع الحديدي” تفاصيل مثيرة عن الاختراق “الإسرائيلي” للأمريكيين وخصوصا على يدي “رافي إيتان” Rafi Eitan والعميل بولارد Pollard
“عاد إيتان إلى “إسرائيل” لقطف ثمار النظام الجديد للموساد هذه الثمار فاقت آماله الأكثر جموحا وجنونا فهو لم يتأخر في الحصول على تفاصيل آخر تسليم للأسلحة الروسية لسوريا ولدول عربية أخرى مع تحديد دقيق لصواريخ إس إس 21 وإس آ ،5 بالإضافة إلى الخرائط وصور الساتالايت للترسانة السورية والعراقية والإيرانية ولمصانع الأسلحة الكيماوية والبيولوجية هذه المعلومات منحته رؤية ممتازة عن مجموع الطرق الأمريكية في التجسس واستجلاب المعلومات ليس في الشرق الأوسط وإنما أيضا في جنوب افريقيا
العميل “بولارد” نجح ضمن ما نجح فيه في إيصال تقرير لوكالة الاستخبارات الأمريكية يعرض البنية الكاملة لشبكة الجواسيس في هذا البلد(جنوب أفريقيا) نجح في إيصاله ل”إسرائيل” كما نجح في إيصال تقرير حول تفاصيل تفجير جنوب أفريقيا لأول قنبلة نووية في 14 أيلول/سبتمبر من سنة 1979 في جنوب المحيط الهندي وقد كانت حكومة جنوب أفريقيا تنفي دائما هذا الخبر وقام أيتان بتسليم سلطات جنوب أفريقيا نسخا من كل الوثائق الأمريكية المتعلقة بجنوب أفريقيا وقد تسبب الأمرُ بتفكيك فوري لشبكة المخابرات الأمريكية مما اضطر 12 عميلا من الأمريكيين إلى مغادرة بريتوريا”